يُحكى أنّهُ كانَ في وسطِ صحراءِ أبو ظبي، شجرةَ تينٍ معمّرةٍ، أغصانُها شبهُ يابسةٍ، تبدو وكأنّها كئيبةٌ حزينةٌ، لا حُبَّ فيها. وكانَ الطّقسُ يومَها شديدَ الحرارةِ، صيفيًّا بامتياز. فلم تَكَدْ تمضي ساعاتٌ قليلةٌ مِنْ أوقاتِ الظّهيرةِ حتّى مرّتْ سُلحفاةُ الصّحراءِ ” حنيفة “ كعادتها كلَّ يومٍ إلّا أنّها كانت يومَ ذاك متعبةً ومنهكةً.
لَمحَتْها شجرةُ التّينِ من بعيدٍ، ففكَّرَتْ في نَفْسِها، وقالتْ: ” أهذه حنيفة؟ ما سرُّها اليوم؟ أنا لم أرَها يوماً هكذا قطُّ! ما عَجَبُها؟ “
دَنَتْ منها حنيفةُ ونَظَرَتْ إليها نظرةً مليئةً بالحزنِ والأملِ وكأنّها تتوسّلُ إليها طالبةً المساعدة. فحدّقَتْ بها شجرةُ التّينِ جيّدًا، وبكلّ تعجرفٍ وتكبّرٍ قالت لها: ” لم أعرِفْكِ يا سُلحفاةُ! مَن أنتِ؟ “
أجابَتْها حنيفةُ بصوتٍ منهكٍ وخافتٍ: “أُنْظري إليَّ جيّداً يا وحيدةَ الصّحراءِ، أنا حنيفة! أما عُدتِ تعرفينني؟” فردّت عليها التّينةُ: “ ما هو بلائكي؟”
– أرجوكِ، أنا ظمآنةٌ، قدّمي لي بعضاً من حليبِكِ المشهورِ الغنيّ بالمياهِ والمعادنِ المفيدةِ لكي يتسنّى لي متابعةَ الرّحلةِ.
ضَحِكتْ شجرةُ التّينِ وقالتْ: ” أتمزحين؟ حسناً…وتتجرّئينَ على طلبِ الحليبِ مني؟ أنسيتِ مَن أَكونُ أنا؟ أنسيتِ بأنّني سيّدةُ هذه الصحراءُ الجرداءُ حيث لا يتشجّعُ أحدٌ حتّى على محادثتي؟ “
– كَم أنتِ قاسيةٌ وجاحدةٌ ! حقًّا أنتِ ملعونةٌ بين الكائناتِ الحيّةِ. (تضحكُ شجرةُ التّينِ بسخريةٍ)؛ سأصلّي من أجلِكِ، لعلّ الله يحرّركِ. ولكن قبل أن أغادرَ وأترُكَكِ سَأَحْفرُ حُفْرَةً سَطْحيّةً بالقربِ مِنْكِ، إن خرجَ منها ماءٌ، فإنَّ هذه المياهُ سوف تتسرّبُ إلى جُذُورِكِ وسوف تنفتحُ عيناكِ لتجدي نفسَكِ كثيرةَ الحزنِ والهمّ. أمّا أنا فسَوفَ أروي عَطَشي مِنْها.
وعلى الفورِ، بَدأتِ السُّلْحَفاةُ حنيفةُ بالحفرِ، وفجأةً! تَدَفّقتِ المياهُ بغزارةٍ، وتَلَقّتْ شَجَرةُ التّينِ صَدْمةَ عُمْرِها واعتراها الحزنُ والنَّدَمُ والخجَلُ. فقالت في قرارةِ نفسها: ” أيّها الموتُ كُن رحمةً لي “.
أسعد البيطار
LEAVE A RESPONSE